الجمعة، 14 ديسمبر 2012

اياك وفضول الكلام..من المواضيع المفضلة لدي

يصيب وما يدري ويخطئ وما درى وهلاّ يكون الجهل إلا كذلكا
كثير من الناس يكثرون الكلام ويكلفون أنفسهم فوق طاقتها ويريدون الحديث في كل مجال يسمعونه دون الخوض منهم في معرفة ما يقولون همهم أن يقال عنهم متحدثون ، وذلك والله نقص في عقولهم وقلة في علمهم وقد يدفعهم إلى سوء الخلق .
"سكت الأحنف يوماً بمجلس معاوية رضي الله عنه ، فقال له معاوية : وما بالك لا تتكلم يا أبا بحر ؟ فقال : أخافك إن أصبت ، وأخاف الله إن كذبت " . فليته يرى من في زماننا متحدثون بألسنة عوجاء وفي كل فنٍ لهم وقفة عمياء يحسبون بقلة علمهم أنهم امتلكوا زمام الحديث ولو كان للكلام لسان لقال لهم أنصتوا .
يقول أبو هريرة رضي الله عنه " لا خير في فضول الكلام " . وقال عطاء رحمه الله " بترك الفضول تُكمل العقول " .
إ أغلب المجالس نجد فيها من لا يعطي غيره فرصة للحديث يستأثر هو بالكلام ، وليته يُفيد من يسمعه بل تراه معجباً بكلامه مغروراً بنفسه لا تكاد الأرض تحمله من الفخر والاعتزاز في غير محله .
وحيناً آخر نجد من نذر على نفسه أثناء حديثه أن يبرز نفسه على غيره مادحاً لها ومتفاخراً بأعماله التي لا تتجاوز قدميه وأن له على الناس أفضالاً غير معدودة ، وهو في الحقيقة غير صادق ولو كان كذلك لما أعلنها على الملأ رغبة منه في أن يُدَّخر له الأجر .
يقول الإمام الشافعي رحمه الله :
لا خير في حشو الكلام إذا اهتديت إلى عيوبه
والصمت أجمل بالفتى من منطقٍ في غير حينه
إن من الجهل والحماقة أن يتكلم الإنسان ليراه الناس دون مبالاة منه في أثر كلامه أو نظرة منه ثاقبة في أبعاده .
إن من الذم للنفس كثرة الافتخار في الحديث يرغب بذلك ارتقاء نفسه على الغير ومتميزاً عليهم .
قال بعض البلغاء " إلزم الصمت ؛ فإنه يكسبك صفو المودة ، ويؤمنك سوء المغبة ، ويلبسك ثوب الوقار ، ويكفيك مؤونة الاعتذار " .
وقال بعضهم " اعقل لسانك إلا عن حقٍ توضحه ، أو باطلٍ تدحضه ، أو نعمة تذكرها " .
ونجد في أحياناً آخر ى ممن هو في طبعه غليظ ، وبتصرفاته مشين ، ثقيلٌ إن حضر في مجلس ، وبغيض عند غيره إن تكلم ، لا يحترم مشاعرهم ولا يراعي كبر سنهم ، لهم من كلامه نصيب من الزلل يشتم حيناً ويقذف آخر علناً وكأن الكلام لا يجري إلا على لسانه .
خالق الناس بخلق حسن لا تكن كلباً على الناس يَهِر
وقد قال المارودي رحمه الله " واعلم أن للكلام شروطاً يسلم المتكلم من الزلل إن عمل بها وهي :
- أن يكون كلامه لداعٍ يدعوا إليه . - أن يأتي به في موضعه . - أن يقتصر فيه على قدر الحاجة . – أن يتخير اللفظ الذي يتكلم به .
قال الزمخشري " خير الألسن المخزون ، وخير الكلام الموزون ، فحدَّث إن حدثت بأفضل من الصمت ، وزين حديثك بالوقار وحسن السمت " .
وإن من العيوب التي تنافي وقار مجالسنا سرعة المرء في الإجابة على المتحدث دون معرفة مقصوده ، وما درى أن تلك من العجلة المذمومة ، فالتريث في الحديث أمرٌ محبوب ، واختيار المناسب من الكلام أمرٌ محمود وعاقبته للمرء جميلة وعظيمة .
إن بعض القول فنٌ فاجعل الإصغاء فناً
إن الكلام بريد اللسان وطريقه للخطاب فمتى ما استعمل في الحكمة انتج قولٌ نافع وكان لحامله شاهد بقول البيان ، وعندما يهمله صاحبه فإنه يكبه في الجحيم ويسلك بصاحبه متاهات الطريق .
من لم يبالي بالحساب ولم يخش نهاية العقاب ترى لسانه كثير الكلام لا يوصل معنى ولا يحمل عنوان .
" إن الطيش في الكلام يترجم عن خفة الأحلام ، وما دخل الرفق في شيٍ إلا زانه ، وما زان المتكلم إلا الرزانة " .
يقول طرفة بن العبد :
وإن لسان المرء ما لم تكن له حصاة على عوارته لدليل
وقال آخر :
رأيت اللسان على أهله إذا ساسه الجهل ليثاً مغيرا
فاحذر أيها العاقل بأن تزن كلامك وتختزن لسانك حتى لا تقع فيما لا تحمد عقباه ، واحذر من فضول الكلام فإنه إن أتى في غير محله أرداك .
وقد قالت العرب في أمثالها " إياك وأن يضرب لسانك عُنُقك " .
يقول بعض الحكماء " الكلام اللين يغسلُ الضغائن المستكينة في الجوارح " .
سدد الله البيان وأصلح الحال .


مقال للأستاذ: مفرح حبسان العمري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق